قراءة وتحميل نوفيلا أحببت طبيبتى بقلم محمود زيدان - مجلة الشفق
.......................
في كل يوم مع بزوغ الفجر يولد حب جديد، يتحسس الندى بأنامله عقب انقضاء الدلجة، ويتنسم عطر الزهور في سرور عند البكور،
ثم يفتح عينيه على الضياء في استحياء مع الإشراق ، وينمو شيئا فشيئا ويزدهر إلى أن يبلغ ذروته ويشتد عوده مع ارتفاع الشمس في كبد السماء.
ثم بعدها تبدأ رحلة أفوله وسقوطه الي الهاوية، فتتساقط قطرات الندى مثل أوراق الخريف، وتنحني سيقان الزهور حتي تغوص في الوحل، وتطوف العتمة بأسوار الغرام فتحجبه عن أعين المحبين، ثم أخيرا ينقض عليه شبح النسيان فيقيد أغلاله عنوة إلى أن يلتقط آخر أنفاسه.
ولكن أحيانا تبحر سفينة الهوى في بحر متلاطم الأمواج، فيقذف بها الموج يمينا ويسارا إلى أن يلقي بها قرب جزيرة الوفاء.
وأحيانا أخرى يموت الحب في مهده أمام أعين العاشقين، وتبوء كل محاولات إحياءه بالفشل.
هكذا فعل الغرام بمجنون ليلي، ومازال يكرر نفس فعاله مع غيره من المحبين.. فالحب مباح للجميع ولم يستأثر به عاشقا دون غيره.
وما كانت قصص الغرام التي يتوارثها الحالمين إلا قطرة في نهر جاري لا أحد يعرف كيف بدأ وأين تكون نهايته.
وسيبقى طائر الهوى على مر اﻷزمنة حرا طليقا، يحط رحاله متى شاء ويستوطن قلب من يشاء، فإنه ما كان يوما حبيسا في قلب أحد، بل هو يأسر ولا يؤسر.
فها هو الآن قد طأطأ رأسه، وطوى جناحيه، وعلق بصره ناحية الفتى الوسيم أدهم استعدادا ﻷن يمد بساطه، ويحط رحاله في قلبه الذي ماذاق حلاوة الحب يوما رغم أنه قد جاوز الثلاثين من عمره باﻷمس القريب.
عاش أدهم حياته في عهود من اللهو واللعب، قضى عمره متنقلا بين النساء كالفراشات دون كلل أو ملل، ما إن يدرك لذته من إحداهن حتى يلقي بشباكه في عجل على اﻷخرى.
يعتمد في الإيقاع بضحاياه على وسامته وروعة مظهره، ولسانه العذب وحسن منطقه، فضلا عن وفرة المال التي يغدقها اﻷبوين عليه، لكونه الإبن المدلل والوحيد.
ساقته قدماه مساء اليوم الي عيادة الدكتورة حنان بدر الدين، طبيبة اﻷسنان التي ذاع صيتها في اﻷونة اﻷخيرة.
ما إن وضع إحدى قدميه في العيادة حتى تعلقت أبصار النساء ناحيته، وأصابهن الذهول من حسنه، ورحن يتهامسن دون خجل عن جماله وأناقته ونظراته الساحرة.
ومضين يتغزلن في عطره الباريسي، وبدلته اللامعة التي تعانقت مع ضوء المصباح ساعة الغروب، حتى أضحى لونها الرمادي شديد البياض.
ثم مضي في طريقه واثق الخطوة يمشي ملكا حتي وقعن جميعا في شباكه دون أدني مجهود منه يذكر.
وكأن الممرضة قد أعتدت لهن متكئا ليعرفن قدره ومقامه الفريد، ولكن شتان ما بين يوسف الصادق العفيف، وأدهم المخطيء الكاذب.
نهضت الممرضة من فورها لإستقباله كأن مبعوثا أمميا جاء في زيارة رسمية الي هناك، بينما تقدم أدهم ناحيتها للإستعلام عن حجزه المسبق، ترافقه والدته التي بدت عليها ملامح الفخر بنظرات النسوة نحو ابنها المدلل!!
ثم أشارت اليه الممرضة بأن يستريح قليلا، ريثما يأت دوره بقائمة الراغبين في لقاء الطبيب.
راح الفتي يلتفت يمينا ويسارا بحثا عن مكان ملائم للجلوس ولكن كانت العيادة مكتظة بالزوار.
فتسابقت النسوة جميعا في الإفساح له حتي يميل إلي جوار إحداهن، بينما عادت الممرضة مسرعة عقب غيابها لبضع ثوان تحمل في يدها كرسيا وضعته بجوارها ثم أشارت اليه بالجلوس، ومضت في جلب آخر لوالدته.
مرت دقائق معدودة ثم أشارت بعدها الممرضة الي الفتي بالدخول الي حجرة الطبيب، بعد أن طالبته بتدوين اسمه، وسنه، ووسائل الإتصال به عند الحاجة.
ما إن تقدم أدهم ناحية الحجرة وطرق بابها حتي سمع صوتا أنثويا يسمح له بالدخول قائلا: تفضل يااستاذ أدهم.
دخل أدهم علي الفور مذعنا للأمر، ثم راح يلتفت يمينا ويسارا بحثا عن تلك الطبيبة التي أضحت حديث أهل المدينة، وبات العائدون من زيارتها يروون اﻷساطير حول مهارتها وإتقانها للعمل الذي لا يصاحبه أي شعور لدي المرضى باﻷلم.
أقصى أمنيات المريض أن يتم شفاءه دونما يتأوه، أو يظهر ضعفه أمام الطبيب، أو يستدر عطفه بصراخه إذا ما قسا عليه.. ولكن عادة لا يستجيب اﻷطباء لتوسلات المريض..!
ظل الفتي بضع ثوان داخل الغرفة يترقب مجيئ الطبيبة ولكنها لم تأت بعد، فأبصر هنالك في زواية الغرفة البعيدة ناحية اليسار، فتاة في ريعان شبابها قد ولت ظهرها وراحت تعيد ترتيب أدواتها علي الطاولة، مقص صغير، مشرط، محقنة لضخ الهواء في فم المريض، ومحقنة أخرى ذات ابرة طويلة لحقنه بالمخدر، وأخيرا كلابة لخلع الجذور، ثم قامت بجمع مخلفات المريض السابق، لفافات من القطن الملطخ بالدماء في داخلها نصف ضرس فر هاربا من عثرات اللسان.
صاح الفتي بأعلي صوته قائلا: جئنا هنا لملاقاة الطبيبة وليس للجلوس علي اﻷعتاب طلبا للعطاء، أليس من الواجب أن تبقى طبيبتكم حاضرة في استقبال مرضاها..!!
أجابت الفتاة في هدوء قائلة: عذرا سيد أدهم، سوف آت علي الفور، من فضلك أمهلني ثوان معدودة.
واصل الفتي ثورته وهتف بأعلي صوته قائلا: ما شأني بك أيتها الصغيرة، هل ستقومين بمهام الطبيبة إلي أن تنتهي هي من طلاء أطافرها، ووضع أحمر الشفاه.
أدارت الفتاة وجهها اليه في غضب، وألقت بأدواتها أرضا ثم تقدمت ناحيته وصرخت في وجهه قائلة: أنا دكتورة حنان طبيبة اﻷسنان، وقد أعتدت أن أعيد ترتيب أدواتي بنفسي عقب الفوضى التي يحدثها المرضى أمثالك.
نظر أدهم نحوها مشدوها، محدقا عينيه في قسمات وجهها، فاغرا فاه من فرط جمالها، وكلما هم بالنطق يتلعثم لسانه وتأبى الحروف أن تفارق شفتيه.
كانت تلك المرة اﻷولى التي يشعر فيها الفتي بضآلة قدره في حضرة اﻷنثي التي حطمت بالتفاتتها غروره.
ثم خضع مستسلما في انقياد لقانون اﻷقوى الذي فرضته علي كيانه بنظراتها الساحرة، حتي وقف صاغرا إزائها وراح مرغما يتطلع في محاسنها.
كيف لا وهي قد جمعت في جعبتها كل محاسن اﻷنثى التي تراود أحلام الرجال، فتاة فارعة الطول دون إسراف، ممشوقة القوام في غير سمنة أو نحافة، عيناها كأنهن لؤلؤتين تزيدان من نضارة وجهها الذي بدا مثل قرص الشمس في ساعة الإشراق.
ترتدي حجابا خمريا يميل الي الحمرة شيئا قليلا، وأسدلت علي جسدها الرقيق جلبابا قرمزي اللون، تهادي في لين حتي بلغ أخمص قدميها، يعلوه بالطو ناصع البياض مثل بشرتها، وبالكاد يخفي مفاتنها.
بدت مظاهر الإرتباك علي الفتي، وأحس كأنه دمية جوفاء سقطت في بحر متلاطم اﻷمواج، ومال نجمه إلى اﻷفول عندما أضحى في جوار القمر.. فقد كانت فتاته هذه المرة من نوع نادر، كإحدى الظواهر الطبيعية التي لا تتكرر إلا مرة واحدة في العمر.
علمت اﻷم بأمر وليدها، ثم حاولت تدارك اﻷمر، فتبسمت في خجل وقالت: عذرا صغيرتي الجميلة، أحيانا تتسبب آلام اﻷسنان في فقدان صاحبها للوعي فلا يشعر بمن حوله، ولا يدري ما يقول.
ردت الطبيبة بكل هدوء وقالت: لا عليك سيدتي، في كل يوم أنتظر حالة مثل هذه.. فما أكثر فاقدي الوعي في عيادتي، ثم أدارت بصرها ناحية ابنها وقالت: مما تشكو سيد أدهم.
وضع أدهم كفه علي خده اﻷيمن ثم قال: أعاني منذ أيام من ألم في ضرسي، ولم أجد له علاجا شافيا إلي أن بت ساهرا ليلة البارحة، وما زار النوم جفني حتي الصباح.
أشارت اليه الطبيبة بالتمدد علي تلك اﻷريكة الواقعة في يسار الغرفة، فاستجاب فورا للأمر.
ثم تقدمت في خطى ثابتة ناحيته، وتناولت ملعقة خشبية من فوق الطاولة، ثم وضعتها في حلقه وتحسست جميع أضراسه إلي أن بلغت ضرسه التالف، حتي أطلق صرخة مدوية، وأمسك بيديها كالمستغيث، فترقرقت عيني اﻷم علي إثرها بالدموع.
ثم هدأ الابن شيئا فشيئا، بعدما تقدمت الطبيبة خطوة أخرى تجاهه حتي كاد جسدها أن يلامس جبهته، فتنسم عبيرها اﻷخاذ وهتف قائلا: لما أطلت البحث عما تريدين يا سيدتي..؟! هو الآن قريب منك، ألا تشعرين بما أصابه عقب أن لامسته يداك .
شعرت حنان بأن الفتي يوجه إليها رسائل إعجاب خفية، فكتمت غيظها وقالت: يبدو جليا أن ضرس العقل لم ينبت بعد.
نظر أدهم نحوها في دهشة وقال: عذرا سيدتي، أخبرتني والدتي بظهوره في سن العشرين.
ردت حنان في ثقة ممزوجة بالسخرية قائلة: يبدو أنه قد جاء فقط في رحلة إستطلاع ﻷمر صاحبه، ثم شعر بأنه لن يجد معه نفعا، فعاود أدراجه في يأس مرة أخري.
أشاح الفتي بناظريه بعيدا في نفور ثم قال: دعنا الآن من هذا اﻷمر، ولكن ماذا عن الضرس الذي تلف...؟!
تناولت حنان الإبرة واستعدت لحقنه بالمخدر ثم قالت: أصابه العطب في مهده حتي فسد، ونخر السوس في عظمه حتي نتن، يبدو علي ظاهره الحسن والجمال، ولكن باطنه أجوف شديد السوء، ولابد الآن من اقتلاعه في عجل، واستبداله بضرس جديد، حتي يستريح قلبك، ويزور النوم جفنك، وتزول رائحة الفم الكريهة.
حدق الفتي في عينيها ثم قال في حزن: يساورني شك أن الضرس الصناعي الجديد لن يكون أفضل حالا من الذي خلقه ربه فسواه فعدله.
أجابت حنان في أسف قائلة: ما كان الضرس الذي فسد أن يصيبه العطب لو أن صاحبه حفظه ورعاه، فكن مطمئا سوف يحل مكانه ضرسا ثابتا، من معدن الفضة كتلك السلسلة الطويلة التي تطوق بها عنقك.
بعد لحظات من الجدال بين الفتي ووالدته ومزيدا من التساؤلات مع الطبيبة أومأ الفتي رأسه بالموافقة.
تقدمت حنان في حذر تجاهه، ثم مدت يدها لحقنه بالمخدر بينما حاول الفتي جاهدا إزاحتها في خجل عندما زاد به اﻷلم.
نجحت أخيرا في غرز الابرة في فكه، ثم أشارت اليه بالخروج بضع دقائق، ريثما يتسلل مفعول المخدر الي فمه .
مرت دقائق معدودة، ثم أرسلت حنان في استدعائه مرة أخرى، وشرعت في مهمة اقتلاع الضرس من جذوره.
تناولت القابضة المعدنية ثم راحت تجز علي أسنانها، وبدأت في خلعه كأنها تجتث شجرة خبيثة لا نفع لها.
ثم جذبت قطعة من القطن بمجرد انتهائها، ومضت في تجفيف دمائه، وكذلك دموع والدته.
ثم أذنت لهما بمغادرة العيادة، مع لزوم العودة في مطلع كل شهر جديد، لإجراء عملية الإستبدال عند تعافيه من اﻷلم.
مرت ثلاثون يوما علي الفتي كأنها قرن من الزمان، حتي غلبه الاشتياق، وفتك به الغرام، وحط الهوى رحاله في قلبه وأبى أن يفارق دربه.
وما إن انقضت عِدَّتُه حتي عاد الي طبيبته بصحبة الوالدة، في لهفة دون إبطاء.
جلست حنان كأنها تترقب قدومه، وهيأت نفسها لاستقباله، فقد رتبت أدواتها سريعا هذه المرة، ثم اتكأت علي الكرسي تداعب خصلات شعرها المتفلت من تحت حجابها انتظارا لمجيئه، يبدو أنه قد لحق بها ما حل بالنسوة في اﻷمس القريب.. ولكنها كانت أقدر منهن علي تمالك نفسها للمرة الثانية.
طرق أدهم الباب في شوق، فأذنت له بالدخول ونهضت من مكانها لاستقباله، ثم أشارت اليه بالتمدد علي الطاولة.
بينما جلست اﻷم في زاوية الغرفة البعيدة، وقد وضعت كلتا يديها علي آذانها خشية أن تبلغها صرخات ابنها المدلل.
نظر أدهم الي الطبيبة متأملا في قسمات وجهها، فتسارعت دقات قلبه، وتصبب العرق من جبينه، ولكنه تمالك نفسه شيئا فشيئا، واستجمع قواه، وأطلق لسانه، ثم همس في أذنها قائلا: هل تقبل طبيبتي الجميلة بأن تجاور شخصا مثلي علي فراش واحد في غرفة تحوي بين جنباتها شتي وسائل المرح والرفاهية، ولك ما تطلبين من اﻷموال والذهب
انتقلت عدوى الإرتباك الي الفتاة، فسقط المثقب من يدها، فرمقت فتاها بنظرة غاضبة وقالت: هل شعرت بأنني نوع جديد من الخمر ترغب في احتسائه، أم ظننت بأنني رابطة عنق مبهجة اللون تسعي لإقتنائها، أم حدثتك نفسك بأنني واحدة من جوارى اﻷمير المتوج تنتظر إشارته بشوق، وتمتثل في خضوع ﻷمره عندما يرسل في طلبها متي شاء.
نظر اليها في لهفة وقال: أنا الهارب من قيد النساء، جئت راجيا منك الدواء، فهل تقبل بمثلي أميرتي الحسناء.
رمقته بعينيها الساحرتين وأشاحت بوجهها بعيدا ثم قالت: حدثني الجميع عن هفواتك، وسقطاتك، ونزواتك التي لم تنته بعد، فمازالت آثارها القبيحة تكسو عظام وجهك، وينبعث نتنها من أعماقك ألا تشم رائحة الفم الكريهة التي تفوح عند حديثك جراء تناولك الخمر.
ثم مدت يدها وتناولت السلسله الفضية بأناملها وقالت: إنما شرعت الزينة للنساء، أما هذه فلا تلائم الفتية والرجال، أم أنت من المتشبهين والمتشبهات..!!
كانت كلماتها تخترق صدره كسهام من نار إلي أن تستقر في فؤاده، وتجلد ظهره آلاف المرات عقابا علي ذنوبه، فارتجف قلبه، واقشعر بدنه، وانحدر الدمع من عينيه كالنهر الجاري وراح يسيل دون مهل علي وجنتيه.
فتناول أدهم السلسلة دون إبطاء وجذبها بقوة حتي تقطعت أوصالها، وتناثرت أجزائها في كل مكان.
ثم نظر اليها وتمتم بكلمات لم تفهم منها الطبيبة غير هذه اﻷية ( إن الله غفور رحيم )
وانطلق بعدها هائما علي وجه خارج العيادة، ثم لحقت به والدته.
بينما أدارت حنان ظهرها إلي الباب، وواصلت عملها، ثم راحت تعيد ترتيب أدواتها كعهدها دائما.
في مطلع الشهر الجديد جلست حنان تترقب انتظار الفتي الوسيم في شوق ولهفة، كأن رحال الهوى قد أناخت في قلبها واستقرت دون إذن منها، حتي أصابتها لوثة العشاق، ولكن الفتي لم يأت بعد.
مر الشهر اﻷول ثم الذي يليه ومازال المُداوِي ينتظر المُدَاوَى إلا أنه أبى الرجوع وأعرض عن الدواء.
ثم انطلقت الطبيبة في رحلة البحث عن مريضها، ومضت الحبيبة تبتغي الوصال مع حبيبها إلي أن عثرت علي أرقام هاتفه في سجلات المرضى.
ثم خطت بأطراف أصابعها رسالة جاء فيها: (مازلت أنتظر اللقاء، أحضر فورا دون إبطاء، قبل أن يفسد الدواء).
في اليوم التالي مباشرة حضر الفتي بصحبة الوالدة.
ما إن طرق أدهم الباب فسمحت له اﻷميرة بالدخول، ووضع كلتا قدميه في ديوانها حتي وثبت من فوق عرشها وانطلقت تجاهه في ذهول مما رأت، فقد كان ظهوره مختلفا هذه المرة، قد أينعت في قلبه بذرة الهداية، وأتت علي الفور بثمارها فأشرق وجهه، وزاد بهاؤه غير الذي كان.
فمدت حنان يدها نحوه وانتظرت بضع ثوان أن يمد يده، ولكنه طأطأ رأسه، وخفض بصره ناحية اﻷرض، وهمس بصوت خافت قائلا: عذرا سيدتي، قد أقسمت منذ ثلاثون يوما ألا أصافح امرأة لا تحل لي.
فاضطرب قلبها وخفق فؤادها من فرط السعادة، وهمت ﻷن تسحب يدها في خجل فتناولتها اﻷم وقبضت علي راحتيها برفق وجذبتها ناحيتها، واحتضنتها بقوة، ثم همست في أذنها قائلة: أشعر بالإمتنان صغيرتي لقدرتك علي شفاء طفلي الكبير، وتبدل حاله من الفحش والسوء الي أفضل حال، قد حاولت مرارا وتكرارا ولكن باءت كل محاولاتي بالفشل، والآن هل تقبل أميرتنا الرقيقة بأن تطأ قدميها أرض مدينتنا الجميلة، لتغمر السعادة قلوبنا، وتعم الفرحة أرجاء بيتنا.
تبسمت حنان في خجل وقالت: أما الآن فقد استسلمت اﻷميرة لخفقات قلبها، ولم يعد بوسعها غير الرضا والقبول، بشرط مواصلة أميرها للعمل الجاد نحو الشفاء الكامل.
فانطلق الفتي في خطوات متسارعة نحو اليسار، ثم تمدد علي الطاولة، حتي تقوم الطبيبة بإنهاء مهمتها في عملية استبدال الضرس القديم بآخر جديد.
------
محمود زيدان....